قال قيم جدا بقلم : الدكتور جميل حمداوي ..كتبه نمجلة أصوات الشمال ..قدم من خلاله وتوجيهات مهمة لكل من يرغب في كتابة قصة أو رواية ..وللفائدة العامة انقله لجميع الأعضاء ..ارجو ان يجدوا بين سطوره ما يفيدهم ..
نص المقال :
لقد أرسل لي كثير من الأصدقاء الكتاب والمبدعين الأعزاء نصوصهم السردية من شتى أقطار العالم العربي سواء أكانت نصوصا قصصية أم نصوصا روائية لقراءتها ونقدها وتقريضها. وكل هذا رغبة في نشر التعليقات المكتوبة عليها والمسجلة على هامش هذه النصوص في الصحف الورقية والمواقع الرقمية ليطمئن إليها الكاتب المبدع باعتبارها شهادة واعترافا و ليستفيد منها القراء المتتبعون. و بعد عملية النشر، يحس الكاتب المبدع والناقد بلذة النص والانتصار ولحظة الزهو، ويفرح بروعة عمله كالطفل الصغير الذي يشدو كثيرا بلعبته. لأن هذا النشر سيحقق صيتا وشهرة للمبدع والناقد معا من خلال إثبات صورة الكاتب واسمه ولقبه بمحاذاة نصه ومقدمة شيخه الناقد. ومن المعلوم أن النقد الحقيقي في مذهبي يعتمد على القراءة المتأنية والملاحظة الوصفية للنص خارجيا وداخليا، ثم الانتقال إلى عملية التقويم عبر استخلاص الإيجابيات وتحديد السلبيات، والانتهاء إلى تقديم مجموعة من التوجيهات البناءة التي ينبغي أن يقتنع بها المبدع أو الكاتب المبتدئ. وعلى الكاتب أن يحترم الناقد وأن يقدره مهما كانت ملاحظاته ولو لم تكن لصالحه، و ألا يثور على الناقد سبا وشتما وازدراء مادام أنه قد انتقد عمل ذلك الكاتب وأظهر عيوبه، وانتقص من قيمة عمله. إن مهمة الناقد مهمة صعبة، لأنه ينير الطريق أمام المبدعين ويعبد لهم الطريق الذي سيسهل عليهم الوصول إلى الهدف المنشود بدون كلل ولا مشقة تذكر. إن الناقد المسؤول مثل المشكاة التي تضيء السبيل أمام الكتاب الذين يريدون أن يصعدوا إلى قمة المجد الأدبي ، وذلك بتوجيههم الوجهة الصحيحة وإرشادهم إلى منابع الإبداع الصحيح وطرائق التميز والخلود وسبل تحسين الإنتاج الأدبي والفني تخيلا وإجادة وابتكارا. وسوف أقدم في هذا المقال مجموعة من الإرشادات والمقترحات كي يستهدي بها الكاتب في عملية الإبداع والإنتاج قصد تحقيق الأهداف المسطرة والمنشودة، وهي تخص الإبداع والمبدع على حد سواء. والباعث على كتابة هذا المقال هو أنني وجدت كثيرا من الأخطاء والهفوات التي ترتكب وما كان ينبغي للمبدع أن يرتكبها؛ لأنها أدوات جوهرية وأساسية في عملية الكتابة كالأخطاء النحوية والإملائية والصرفية، ناهيك عن سلبيات تتعلق بعملية الكتابة والسرد واختيار الموضوع والتعبير عنه حكيا وخطابا.
أ- شـــــروط الإبداع والإنتاج :
1- الحبكة السردية و التخطيط المحكم:
عند كتابة الرواية أو القصة لابد من اختيار الموضوع الذي ستكتب فيه، وينبغي أن يكون موضوعا جادا وجديدا وأصيلا لايخدش الأخلاق والقيم الدينية، وذلك بإثارة الشهوات والغرائز وتحويل القص إلى نص بورنوغرافي جنسي كما فعل الكاتب المغربي محمد شكري في روايته الشطارية\" الخبز الحافي\" عندما صور العملية الجنسية التي كانت بين الأب وأمه في السرير الليلي. فلا يمكن أن ندخل باب التميز الروائي بمقولة \"خالف تعرف\"، حيث يتناول الكاتب قضايا الجنس و يعمد إلى تصوير مشاهد الخلاعة وذكر الصور الإباحية من أجل أن يؤكد لنا مدى واقعيته وصراحته في نقل الحقيقة الموضوعية. فلابد أن يحمل الإبداع رسالة صالحة تنفع الإنسان وتغير أوضاعه السلبية وترفعه إلى أسمى مراتب الإنسانية وتبعده عن الحيوانية. أي أن يكون ملتزما بقضايا الذات و المجتمع والوطن والأمة والكتابة ذاتها. ومن المعروف أن الرواية ثقافة ومتعة ، ويعني هذا أن يكون الروائي مثقفا يسعى إلى تقديم تجربة إنسانية وبشرية معاشة و خبرة معرفية ثقافية في ثوب جمالي وفني. ومن ثم، فلا بد من وضع تصميم وخطة عمل كالمهندس والمدرس من خلال الاعتماد على الوثائق والمصادر والمراجع وجذاذات البحث من أجل تسطير حبكة سردية تخضع لمنطق سببي أو كرونولوجي لا تخرج عن المرتكزات الخمس: الاستهلال والعقدة والصراع و الحل والنهاية. ويمكن تكسير هذه القواعد لخلق نص إبداعي جديد. لأنه ليس من المنطقي أن نطالب المبدع باحترام قواعد ووصفات إبداعية معينة وجاهزة، وأن يراعي في ذلك أفق انتظار المتلقي، فالمبدع له كامل الحرية الكاملة في خلخلة البناء السردي والانزياح عنه تحديثا وتجريبا وتأصيلا وخلق مسافة جمالية فنية أخرى عبر تأسيس عرف أدبي جديد.
وعلى الروائي أن يتجاوز المواضيع الرومانسية والواقعية المستهلكة، وأن يعيد قراءة التراث بمنظور جديد يعتمد فيه على النقد وتعرية المسكوت عنه، وانتقاد الاستبداد والتسلط وكتابة تاريخ شعبي يخص الفقراء والمساكين والمثقفين والمهمشين والصعاليك ورصد الاستبداد والتسلط والاستعباد والظلم السياسي والاجتماعي... أي التركيز على المواضيع التي تؤرق الإنسان العربي كالحرية والشورى والديمقراطية والسلطة والثقافة والعدالة وحقوق الإنسان ... وهنا نشيد ببعض الأعمال الروائية الجادة التي ينبغي أن يعود إليها الكاتب المبتدئ أو المبدع مثل : رواية\" الزيني بركات\" لجمال الغيطاني و\"ثلاثية غرناطة\" لرضوى عاشور و\"مجنون الحكم\" و\"العلامة\" لبن سالم حميش و / " جارات أبي موسى\" لأحمد توفيق...
وإذا أردنا أن ندخل العالمية من باب واسع فلا بد من تأصيل الخطاب الروائي، وذلك بالرجوع إلى التراث السردي العربي القديم لاستلهامه والتفاعل معه تناصا وحوارا كقراءة ألف ليلة وليلة التي اعتمد عليها الروائي الأرجنتيني بورخيس كثيرا في تشييد نصوصه السردية وقراءة كليلة ودمنة لابن المقفع ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري واستلهام السير الشعبية مضمونا وشكلا. فلابد – إذاً- من تطوير الكتابة السردية التراثية وإثرائها بروح جديدة يمكن الكاتب من خلالها الانفتاح على التقنيات السردية العالمية لتطعيم نصوصه الروائية أو القصصية دون أن يسقط في المحاكاة العمياء والتقليد الحرفي والإسقاط السطحي للمفاهيم والتصورات النقدية الغربية. فلا نريد نصوصا عربية جديدة طبق الأصل للنظريات الغربية كما فعل الروائي المغربي محمد برادة في روايته\" لعبة النسيان \" عندما طبق نظرية البوليفونية ( التعددية الصوتية) التي شرحها الكاتب الروسي ميخائيل باختين في كتابة\"شعرية الرواية عند دويستفسكي\"، أو ما قام به نجيب محفوظ أثناء كتابة نصوصه الواقعية التي تبنى فيها واقعية بلزاك وفلوبير وستندال وإميل زولا. وحينما قرأ أحد قراء الغرب إحدى روايات نجيب محفوظ اندهش قائلا: C\'est notre Balzac! إنه بلزاكنا! أي لافرق بينه وبين بلزاك في تصوير الواقع بنفس الطريقة التشخيصية الغربية.
إذاً، لدينا شخصيات تراثية كثيرة تحتاج إلى معاينة إبداعية كابن رشد وابن سينا وابن خلدون وأبي نواس وابن طفيل والحجاج الثقفي وابن المعتز... لا أدعو إلى كتابة نصوص تراثية مستنسخة ومجترة ولا أدعو إلى كتابة رواية تاريخية فنية كما كان يكتبها جورجي زيدان وعبد الهادي بوطالب، بل رواية جمالية ثقافية قائمة على التخييل الفني واستنطاق اللاشعور السياسي والاجتماعي والمكبوت الداخلي الأسري وتصوير المجتمع الشعبي ضمن علاقة جدلية بينه وبين السلطة كما فعل بنسالم حميش في روايته \" مجنون الحكم\" أو جمال الغيطاني في \" الزيني بركات\"...
ونعود إلى الأحداث مرة أخرى فنقول: إن هناك أحداثا أساسية وظيفية وأحداثا ثانوية فلابد من استقصائها وتفصيلها لتشويق القارئ وإمتاعه ، ولا نقدم له الحل الجاهز على طبق من ذهب، بل لابد من تخييب أفق تصوره الإبداعي عن طريق جذبه وشده إلى مسار السرد تعاقبا وتسلسلا سواء على المستوى السببي أم الزمني بعد أن يسهب الكاتب في تقديم المؤشرات الوصفية و الفضائية والحالية والجوية.
2- ضبط عالم الشخصيات والتحكم فيه فنيا:
من المعروف أن الشخص Personne يختلف عن الشخصيةPersonnage، فالشخص عالم من لحم ودم بينما الشخصية كائن ورقي خيالي. فعلى المبدع أن يختار الشخصيات ويدقق في اسم العلم جيدا ويختار الاسم العائلي والشخصي انسجاما مع مدلول الشخصية داخل النص ويمكن أن تكون الشخصية بدون اسم أو تتحول إلى رقم أو كائن ممسوخ، وأن يحدد العلاقات التواصلية الموجودة بين الفواعل الرئيسية والثانوية والعرضية ضمن برنامج سردي سطحا وعمقا تحدده العقدة الأساسية في النص الحكائي. وهنا لابد من اختيار الشخصيات الديناميكية النامية عبر تنامي السرد في مقابل الشخصيات البسيطة الستاتيكية.
هذا، ويقوم الوصف بدور كبير في تشويق المتلقي، و هو يرتكز على أربعة مظاهر وهي: الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل من سيارات وآليات النقل... ويبدو أن كثيرا من الروائيين لا يملكون موهبة الوصف لضعفهم في الكتابة الإنشائية والبلاغية التي يحتاج إليها الوصف. وأثناء كتابة الاستهلال، لابد من توظيف الخطاب الوصفي لتقديم الشخصيات أو الأمكنة أو الأحداث وتأطير البرنامج السردي وتحديد سياقه المرجعي والنفسي. ولا أعتد شخصيا بكاتب لايتقن الوصف لغة و تمطيطا وإسهابا وإجادة، ويهرب منه إلى الأوصاف والنعوت والأحوال في عبارات وجمل ومقاطع قصيرة لاتغني ولاتسمن من جوع ؛ لأن الوصف هو أس الرواية الرائعة فقد كان بلزاك الكاتب الفرنسي وستندال يخصصان معا صفحات كثيرة للوصف قد تتجاوز الثلاثين صفحة من الكتاب. أما إميل زولا كما في روايته العمالية جيرمينال Germinal فكان يبحث عن وصف اصطلاحي، وذلك بجمع المصطلحات التقنية والألفاظ التي لها علاقة بالمنجم والمعاجم المهنية والحرفية التي قد تنفعه في كتابة روايته. وفي أدبنا العربي نماذج وصفية عديدة كرواية \"الأرض\" لعبد الرحمن الشرقاوي وروايات عبد الرحمن منيف وخاصة \"النهايات\" وروايات نجيب محفوظ وخاصة ثلاثيته الرائعة و\"موسم الهجرة إلى الشمال\" للطيب صالح. ولا ننسى كذلك رائعة سهيل إدريس ألا وهي رواية \"الحي اللاتيني \" ورواية \"زينب\" لمحمد حسين هيكل و\"دفنا الماضي\" لعبد الكريم غلاب ورواية \" أطياف الظهيرة\" لبهوش ياسين...ويمكن أن يستفيد الكاتب من الخطاب العجائبي باختيار شخصيات فانطاستيكية عبر تحويل الشخصيات البشرية إلى كائنات مادية أو جنية أو حيوانية مسخا وتشويها كما فعل بنسالم حميش في روايته\" سماسرة السراب\" ويحيى بزغود في روايته\" الجرذان\"...
يتبع.........